Elham Freiha
ابحث عن المقال
مليار ومئتا مليون ليرة فقط متوجبة على حفنة من السياسيين
١٨ أيلول٢٠١٥

طاولة الحوار صُمِّمَت عمداً مستديرة لأنَّها بدأت تدور في حلقة مفرغة، لم يطل الأمر حتى بدأت تتحوَّل إلى لزوم ما لا يلزم. لو أنها جدِّية لَما كان العماد ميشال عون غاب عنها في جلستها الثانية، ولَما كان النائب وليد جنبلاط خرج في منتصفها، وقبل ذلك لَما كان الدكتور سمير جعجع قد أعلن مقاطعتها. طاولةٌ تؤكِّد المؤكَّد فتوافق على ما هو متوافَقٌ عليه ولا تناقش في النقاط المختلف عليها لئلا يفجرها الجالسون حولها. طاولة لم تعد تأخذ أيَّ حيِّزٍ من الإهتمام الإعلامي أو السياسي، الجالسون حولها يُدركون ذلك والمتفرِّجون عليها يدركون ذلك أيضاً. طاولةٌ سرقت وهج طاولة مجلس الوزراء التي بدورها فقدت وهجها منذ زمن بعيد. كنا في أزمة كراسي فصرنا في أزمة طاولات. لقد أصبحنا في جمهورية تفقد مناعتها بسرعةٍ قياسية، فطاولة الحوار التي كُتِب لها أن تملأ الوقت الضائع، بدأت تترنح في جلستها الثانية بعدما تأكد الجالسون حولها أنَّ لا نتيجة عملية منها، فإذا كانت طاولة مجلس الوزراء غير نافعة فكيف ستكون عليه طاولة الحوار؟ في هذه الحال، وطالما السياسة في إجازة، والتشريع في إجازة، والرئاسة في إجازة، هل بإمكان اللبناني أن يعلل النفس ببقاء القضاء؟ يُروى أن ونستون تشرشل، وفي خضم الحرب العالمية الثانية، سأل عن أحوال البلد، فجاءه الجواب صاعقاً أنَّ الخراب قد عمَّ وأنَّ الإقتصاد متراجع وأنَّ الرشوة تطال الجميع تقريباً وأنَّ الوضع سيئ جداً. فبادر تشرشل وسأل الموجودين: هل القضاء بخير؟ فأجابوه: نعم. فقال: إذاً لا تقلقوا على بريطانيا فهي بخير. الناس يتطلعون اليوم إلى قضاء لبناني يكون بخير، وقد يكون الأمل قد لاح في الخطوات التي باشرها النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، فهل تبدأ مرحلة استرداد ما هو لخزينة الدولة؟ البداية الواعدة يبدو أنها بدأت: قرارٌ من القاضي ابراهيم بقطع الكهرباء عن ثلاثة عشر سياسياً، تراكمت فواتير الكهرباء عليهم لتبلغ مليار ومئتي مليون، بعدما سلمه المدير العام كمال الحايك، الخبير المتخصص في الخارج الصامت، الذي حمل بصدره كل المخالفات التي سنسردها، لكنه في الأخير قرر أن يبقَّ البحصة مهما كانت النتائج. هذه ليست سوى البداية لكسر قلعة شبيحة الكهرباء، فجزء كبير من ديون الدولة اللبنانية متأتٍّ من الكهرباء: فسادٌ في الخطط والمشاريع، فسادٌ في التنفيذ، فسادٌ في الصيانة، فسادٌ في صفقات الفيول، فسادٌ في عدم دفع الفواتير. إذاً، وبهذا المعنى، فإنَّ مسألة قطع الكهرباء عن غير مسدِّدين ليست سوى البداية والخطوة الأولى في رحلة الألف ميل، وهذا القضاء يُفتَرض أن يكون محصَّناً، لأن جلجلة التحقيقات طويلة، ومغاور الهدر والفساد عميقة، لكن لا بأس من البداية التي لا تكون مغطاة بشكلٍ جيد إلا من خلال إعادة تكوين السلطة بدءاً برئاسة الجمهورية.

الهام سعيد فريحه