Elham Freiha
ابحث عن المقال
الفنان والعشرون دولارًا واللوحات الزيتية
2 اّب 2017

كان هناك رجل أنيق للغاية، يشهد له الجميع بالذوق والرقيّ في التعامل. وذات يوم وقف ليشتري بعض الخضروات من المحل الموجود قبالة منزله، أعطته البائعة العجوز أغراضه وتناولت منه ورقة من فئة العشرين دولارًا ووضعتها في كيس النقود... لكنها لاحظَت شيئًا. لقد طُبِع على يدها المبللة بعض الحبر، وعندما أعادت النظر إلى العشرين دولارًا التي تركها السيد الأنيق، وَجَدت أنّ يدها المبتلة قد محت بعض تفاصيلها، فراودتها الشكوك في صحة هذه الورقة، لكن هل من المعقول أن يعطيها السيد المحترم نقودًا مزوّرة؟ هكذا قالت في نفسها بدهشة! ولأن العشرين دولارًا ليست بالمبلغ القليل بالنسبة الى محل خضروات، فقد أرادت المرأة المرتبكة أن تتأكد من الأمر، فذهبَت الى الشرطة، التي لم تستطع أن تتأكد من حقيقة الورقة المالية، وقال أحدهم في دهشة: لو كانت مزيفة فهذا الرجل يستحق جائزة لبراعته. وبدافع الفضول الممزوج بالشعور بالمسؤولية، قرروا استخراج تصريح لتفتيش منزل الرجل. وفي مخبأ سري في المنزل وجدوا بالفعل أدوات لتزوير الأوراق المالية، وثلاث لوحات كان قد رسمها هو وذيّلها بتوقيعه. المدهش في الأمر أن هذا الرجل كان فنانًا حقيقيًا، كان مبدعًا للغاية، وكان يرسم هذه النقود بيده، ولولا الموقف البسيط جدًا لما تمكّن أحد من الشك فيه أبدًا. والمثير أن قصة هذا الرجل لم تنتهِ عند هذا الحد. لقد قررت الشرطة مصادرة اللوحات، وبيعها في مزاد علني، وفعلاً بيعت اللوحات الثلاث بمبلغ 16000 دولار، حينها كاد الرجل أن يسقط مغشيًا عليه من الذهول، إن رسم لوحة واحدة من هذه اللوحات يستغرق بالضبط نفس الوقت الذي يستغرقه في رسم ورقة نقدية من فئة عشرين دولارًا! لقد كان هذا الرجل موهوبًا بشكل يستحق الإشادة والإعجاب، لكنه أضاع موهبته هباء، فكان يرسم العشرين دولارا ليصرفها، في حين ان رسم لوحة واحدة يجعله يبيعها بنحو خمسة آلاف دولار. المهم في الموضوع ان القاضي حين سأله عن جرمه قال: إني أستحق ما يحدث لي، لأنني ببساطة سرقت نفسي، قبل أن أسرق أي شخص آخر! * * * الحكمة والعبرة مما تقدّم: كم عبقري أتت على عبقريته دناءة الهمة وخسة الطموح، وانتهت أحلامه عند حدود رغباته البسيطة التافهة؟!

نادرة السعيد