Elham Freiha
ابحث عن المقال
الرئيس الحريري الرقم الصعب
7 تشرين الثاني 2017

لا نريد الدخول في ظروف استقالة الرئيس سعد الحريري من السعودية ولا التعليقات ولا المواقف ولا السجالات التي رافقت إعلانها.. اليوم نحن أمام واقعة كلام كبير أعلنه كبير اسمه سعد الحريري لطالما عضّ على كل الجروحات التي تلت اغتيال والده وصولاً الى كل الأثمان التي دفعها من أجل إنجاح التسوية التي اقتنع فيها لإعادة إطلاق عجلة المؤسسات في لبنان ولنقل البلاد الى برّ الأمان... أثمان سبق ان تحدّث عنها في بيان إعلان التسوية ثم أثمان كرّسها تضحيات في كل مرة على حسابه الشخصي: تضحيات قدّمها للأقربين كما الأبعدين من أجل ان ينجح مع حكومته الحاملة كل الألوان في إطلاق عجلة المشاريع في البلاد. اليوم. نحن في مكان آخر.. الرئيس سعد الحريري سيبقى ثابتاً في ما أعلنه فيما مسار استمرارية العهد الرئاسي قد لا يتماشى مع هذه المواقف. من هنا، يبدأ الرئيس ميشال عون اليوم سلسلة مشاورات مع رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين ورؤساء الكتل النيابية وأعضاء طاولة الحوار للوصول الى ما يمكن التوصل اليه، علمًا ان موقف الرئيس نبيه بري بعد لقائه الرئيس ميشال عون بالأمس فرمل ما قد يعمل عليه البعض لتسريع قبول الاستقالة تمهيدًا للوصول الى حكومة تكنوقراط تأخذ البلاد الى انتخابات نيابية. فان القراءة السياسية في مكان والقراءة الدستورية في مكان آخر، فماذا في القراءة الدستورية؟ بحسب المادة 69 من الدستور، تُعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات التالية: - إذا استقال رئيسها. - إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها. - بوفاة رئيسها. - عند بدء ولاية رئيس الجمهورية. - عند بدء ولاية مجلس النواب. - عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناء على طرحها الثقة. *** الفقرة الأولى من المادة 69، تنطبق على حكومة الرئيس سعد الحريري، الذي قال في ختام بيان متلفز إني أعلن استقالتي من رئاسة الحكومة اللبنانية. في الدستور اللبناني ليس هناك من فقرة أو مادة أو بند يتحدث عن طريقة تقديم الإستقالة: لا شفهية ولا مكتوبة، لا داخل لبنان ولا خارج لبنان... ثلاث كلمات تحدد استقالة الحكومة إذا استقال رئيسها. *** وفي الدستور اللبناني ليس هناك مادة تتحدث عن رفض أو قبول الإستقالة، بل هناك، وفق المادة 53 منه الآلية التالية: يُسمِّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلَّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها. يصدر مرسوم تسمية مجلس الوزراء منفرداً. يصدر بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء أي رئيس الحكومة مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم. يصدر منفرداً قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة. *** من كل ما تقدم، فإنَّ الآلية الدستورية هي التالية: يدعو رئيس الجمهورية إلى استشارات نيابية ملزمة لتكليف مَن سيُشكِّل الحكومة. يتوجه رئيس مجلس النواب الى قصر بعبدا ليطلع من رئيس الجمهورية على حصيلة الاستشارات. يدعو رئيس الحكومة المكلَّف إلى استشارات يجريها في مجلس النواب وتُسمَّى استشارات التأليف. بعد جوجلة الأسماء ومطالب الأطراف، يتشاور رئيس الحكومة المكلَّف مع رئيس الجمهورية، ويُصدران مرسوم تشكيل الحكومة. *** هذا في الدستور، ولكن ماذا في السياسة؟ حين يتم الحديث في لبنان عن السياسة، فهذا يعني الحديث عن التوافق، والتوافق في هذه الظروف الدقيقة جداً يعني ما يلي: رئيس الجمهورية قد لا يستعجل بدء الإستشارات إلا بعد أن تتبلور الصورة لديه، خصوصاً في ظل المعطيات التالية: الإستقالة تمت في الخارج ولم تعقبها اتصالات تشاورية بين الرئيس المستقيل وأركان السلطة في لبنان. رئيس الجمهورية يحتاج إلى المزيد من التشاور قبل أن يحدد الإستشارات وليُبنى على الشيء مقتضاه. *** لكن ما هو أكيد أنَّ رئيس الجمهورية، المؤتمن على الدستور، ملزمٌ في نهاية المطاف أن يُطبِّق الدستور لجهة الدعوة إلى استشارات ملزمة لتكليف الشخصية التي ستُشكِّل الحكومة. وفي الفترة ما بين التشاور والإستشارات، هناك لقاءات أمنية، عسكرية مالية لتحصين الوضع على هذه المستويات، لأنَّ الوضع اللبناني الدقيق لا يحتمل أية انتكاسة من شأنها أن تطيح بكل شيء. *** من جديد، حمى الله لبنان. لكن قبل كل شيء، لقد ثبت بالوجه الوطني ان الرئيس سعد الحريري لم يحظَ بإجماع يوما، كما الاجماع الذي يحظى به اليوم، ولم يحظَ بالتمسك به كما يحظى اليوم: فحين يتريث رئيس الجمهورية في بدء الاستشارات فهذا يعني تمسكه بالرئيس سعد الحريري على رأس حكومته. وما لم يقله رئيس الجمهورية قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد خروجه من الاجتماع مع رئيس الجمهورية، اذ قال: التفاهم كامل وناجز وتام مع رئيس الجمهورية، وبعد بكير كتير حتى ينحكى باستقالة حكومة وبتأليف حكومة جديدة، بمعنى آخر ان الرئيس بري يرفض الاستقالة. *** رئيس الجمهورية متمسك بالرئيس الحريري، ورئيس المجلس متمسك بالرئيس الحريري، هذا الرئيس الذي يملك أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب وحاز على ثقة المجلس من خلال الثقة بحكومته... انه الرقم الصعب في عهد الرئيس عون، ولو لم يكن كذلك لَما خيّم ما يشبه الفراغ بعد ثمانٍ وأربعين ساعة على إعلان استقالته المتلفزة.

الهام سعيد فريحه