Elham Freiha
ابحث عن المقال
المعطيات الرقمية والسياسية تحتاج إلى نقلة نوعية تحت طائلة... الإحباط
٩ شباط ٢٠١٧

الجالسون على طاولة مجلس الوزراء أمس، لم يكن بينهم أيُّ وزير شارك عام 2005 في وضع أرقام آخر موازنة عامة، ربما واحدٌ أو إثنان كانا في الحكومة آنذاك، أما الثمانية والعشرون الآخرون، فإنَّهم للمرة الأولى يناقشون في أخطر بندٍ من البنود السيادية للدولة اللبنانية.

بالتأكيد لم يكن الدين العام للدولة اللبنانية آنذاك يفوق السبعين مليار دولار، ولم يكن هناك نازحون سوريون بلغوا المليون نازح. ولم تكن الكهرباء على ما هي عليه من وضع مأسوي، ولم تكن طرقات لبنان قد استقبلت نصف مليون سيارة إضافية من دون إضافة كيلومتر واحد على الطرقات. بعد عشرة أعوام على آخر موازنة، يبحث مجلس الوزراء في موازنة العام 2017، وكأنه يبحث في موازنة لبلدٍ منكوب أو خارج من نكبة. العجز في مشروع قانون الموازنة المطروحة للنقاش والإقرار والمصادقة يلامس السبعة مليارات دولار، مما يجعل دين الدولة اللبنانية يقفز إلى ثمانين مليار دولار، لحظة المصادقة على أرقامها في مجلس النواب. هذا الرقم ليس وجهة نظر على الإطلاق، مما يجعل السؤال الأساسي الذي يقفز إلى الواجهة هو: كم جيل يجب أن يمرَّ كي نصل إلى تصفير عدّاد الديون؟

الموضوع ليس مزحةً على الإطلاق، إذا كانت الديون ستقفز كلَّ سنة عشرة مليارات دولار، فإنَّ كلَّ الموازنات التي ستوضَع لن تكون وظيفتها سوى تأمين الفوائد على الديون وتأمين الرواتب لموظفي القطاع العام وفي مقدَّمهم المؤسسات العسكرية والأمنية.

وحين يصبح الأمر هكذا فإنَّ البنى التحتية على كلِّ المستويات، ستكون هي الضحية: لن تكون هناك موازنات تُرصَد لشقِّ طرقات جديدة أو صيانة الطرقات القديمة. لن تكون هناك موازنات تُرصَد لإنشاء معامل توليد كهرباء جديدة أو لصيانة المعامل القديمة. لن تكون هناك موازنات تُرصَد لإنشاء مستشفيات حكومية جديدة أو صيانة المستشفيات القديمة. لن تكون هناك موازنات تُرصَد للمعالجة الجذرية لوضع النفايات.

حيال هذا الواقع المأسوي، لا بدَّ من نظرة مغايرة كلياً في إدارة البلد: كل مصروف لا طائل منه يجب أن يتوقّف فوراً. كل مناقصة ضرورية وحيوية ولا يُستغنى عنها، يجب أن تتم بشفافية مطلقة ونزاهة مطلقة، ويجب أن تخضع لإدارة المناقصات ولا تصبح نافذة إلا بعد تواقيع هيئة التفتيش المركزي وديوان المحاسبة. التفاوض مع الدول المانحة لتأمين البنى التحتية للنازحين مجاناً، لئلا يقع هذا الأمر على عاتق خزينة الدولة اللبنانية.

ما لم يتم القيام بهذه الخطوات النوعية، فعلى البلد السلام. نحاول أن نتسلّح بالتفاؤل، لكنَّ التفاؤل ليس فقط رغبة، بل يحتاج إلى مستلزمات لعلَّ أبرزها وجود دولة قوية، نزيهة، شفافة، تضرب بيدٍ من حديد لئلا تسقط في الضربة القاضية.

الهام سعيد فريحه